روائع القرني
صحوة من سكار الحب ....
فهذا ابن أبي مرثد ...
هام ـ قبل أن يسلم ـ
بفتاة وعشقها وسكب عمره في كأس هواها ،
وأفرغ روحه في كوب نجواها ،
وفرغ شبابه على تراب مغناها ...
فلما هداه الله وغسل قلبه من أدران الهوان وأوصار المعصية ،
أفاق ـ والله ـ من رقده الغفلة ، ومن سنة الجهالة ،
ومن سكرة الغي ، على صوت بلال ، فارتجف جسمه ،
وتهذبت روحه ، وأعلن في إباء ،
وصاح في استعلاء : أتوب إليك يا رب ،
وأقبل على المصحف ، وهب إلى المسجد ،
واستعان بالصبر والصلاة ، وأدمن الذكر ،
وسجل رائعته في ديوان الخلود وسفر النجاة ودفتر المجد :
أأبقى غويا في الضلالة سارداً ** كفي بالمرء بالإسلام والشيب ناهيا
وهذا لبيد بن ربيعة ... الشاعر المشهور ...
هام بالغزل ومات بالمقل ،
وانغمس في الشعر وحده ،
يعيش للقافية ، ويضحي للقصيدة ...
ولكنه عرف الله
عن طريق الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ،
فتاب من حياة العبث والضياع ،
ورجع إلى المحراب ، وأقبل على التلاوة ، وأنشد :
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ** حتى اكتسب من الإسلام سربالا
ونذر لله لا ينظم ولو بيتا واحد ،
فإن فعل أعتق رقبة ،
وقال : كفتني سورة البقرة عن الشعر .
وسلاطينهم سل الطين عنهم***والرؤوس العظام صارت عظاما !
فأعلن توبته ، وفر من قصره ، وخلع ثياب الملك ، وهرب من الترف والجاه والنعيم إلى قرة وراحة الأرواح ، فكان يسكن الخراب ، ويمرغ أنفه بالتراب ، ويأكل الشعير ، وينام على الرصيف ، ويقول:
( نحن في عيش لو علم به الملوك لقاتلونا عليه بالسيوف )
أمطري لؤلؤا سماء سرنديب*** وفيضي آبار تكريت تبرا
أنا إن عشت لست أعدم خبزا *** وإذا مت لست اعدم قبرا !
ابن النعمة والحشمة ،
وارث الدور والقصور ،
أرغد الناس في شبابه عيشا ،
وأكثرهم ترفا ، وأزكاهم عطرا ،
لكن نفسه تاقت إلى الجنة فزهد في الفاني ،
ورغب في الباقي ، واقبل على الله تعالى ،
وصدق مع ربه فعدل في الرعية ، وأخلص في العبودية ،
وقاد الأمة الإسلامية خير قيادة ، مع ورع متين ، وعلم راسخ ، وخشوع صادق :
جزاك ربي عن الإسلام مكرمة *** وزادك الله من أفضاله كرما
0 التعليقات:
إرسال تعليق